بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين
أما بعد :
أجمعت الأمة الإسلامية على
وجوب إقامة هذا الحد عبر العصور الإسلامية السالفة ، وذلك لحماية المجتمع
الإسلامي من الفساد والإلحاد ، فالإسلام لا يجبر أحدا على الدخول فيه ،
ولكنه إذا دخل بإرادته فلا يجوز له الرجوع عنه بحال من الأحوال .....
وأما فقهاء العصر فكان موقفهم - من إقامة حدِّ الردةِ-مختلفٌ على الشكل التالي :
الفريق الأول- وهم الذين باعوا دينهم بثمن
بخس ، فقد أنكروا حدَّ الردة ، واعتبروه مناف للحرية الشخصية على حذِ
زعمهم، واستدلوا بقوله تعالى :{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا
وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة
فالجواب على شبهتهم من وجوه:
(1) أولاً: إن المرتد بعد أن أقر بالإسلام والتزم به وتسمى به، فقد رضي بكل ما تضّمنه الإسلام من أحكام ومنها حكم المرتد.
(2) ثانياً: إن المرتد لا يقتل إلا بعد استتابته
ثلاثاً- أي: ثلاثة أيام- مع خلاف في بعض المسائل كمن سب الله تعالى أو
رسوله -عليه الصلاة والسلام-. فإصراره على الردة، والسيف مروض على رقبته،
يدل على عدم استحقاقه البقاء، إذ لو بقي لكان عامل فتنة مهدم لضعيفي
الإيمان من أبناء الأمة، بما قد يلقيه عليهم وبينهم من الشبه والأغلوطات،
فقتل المرتد حماية لغيره من اقتفاء أثره والتشبه بمسكله. وتأمل كيف سمى
الله تعالى قتل القاتل حياة حين قال:"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب
لعلكم تتقون".
(3) ثالثاً: لو تُرك المرتد بلا قتل؛ لاتخذ
الناس دين الله هزواً ولعبا؛ً فيسلم أحدهم اليوم ويكفر غداً ويسلم غداً
ويكفر بعد غد بلا مبالاة، بدعوى حرية المعتقد، وفي ذلك مفاسد لا تخفى والله
المستعان.
كما أن التساهل في هذه العقوبة يؤدي إلى زعزعة النظام الاجتماعي القائم على
الدين، فكان لا بد من تشديد العقوبة لاستئصال المجرم من المجتمع منعاً
للجريمة وزجراً عنها. وشدة العقوبة تولّد في نفس الإنسان من العوامل
الصارفة عن الجريمة ما يكبت العوامل الدافعة إليها، ويمنع من ارتكاب
الجريمة في أغلب الأحوال.
ومن المعلوم أن العقوبات تتناسب مع الجرائم؛ فكلما ازدادت بشاعة الجريمة استلزمت عقاباً موازياً لها في الشدة
ومن المبادئ المتفق عليها لدى التشريعات الجنائية مبدأ مقارنة جسامة
الجريمة بجسامة العقوبة، وكلما زادت العقوبة في جسامتها دل ذلك على ارتفاع
جسامة الوصف القانوني للجريمة.
والفريق الثاني - فقد أنكروا حدَّ الردة
أيضاً ، واعتبروا أن الحديث الذي ورد فيه ليس متواترا ، ولا يوجد في القرآن
الكريم نصٌّ على عقوبة المرتدِّ !!!!
وقد قالوا ذلك تحت تأثير عفن الحضارة الغربية التي تدعو إلى الحرية المطلقة
للإنسان ؛ سواء في عقيدته أو عبادته أو تصرفاته ، حتى لو كانت ضارة بمصلحة
المجتمع ،لأنها تقدم مصلحة الأفراد على مصلحة الجماعة باسم هذه الحرية
المزعومة !!
وذلك يتناقض مناقضة صريحة مع دعوة الإسلام التي تضبط جميع تصرفات الإنسان
وفق منهج رباني رفيع يراعى فيه حق الفرد وحق الجماعة ،لكي لا يطغى أحدهما
على حساب الآخر ، ولكنهما إذا تعارضا قدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد مع
التعويض العادل للفرد
وفاتهم قول الله تعالى :{مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر
الفريق الثالث- أقرُّوا بحدِّ الردة ،
ولكنهم قالوا : هو ليس ملزما ، فهو من باب السياسة الشرعية ، فإن شاء
الحاكم أقامه ، وإن شاء تركه ...... وهذا لا أصل له في الدين ، ولا عند
الأقدمين
الفريق الرابع- أقرُّوا بحدِّ الردةِ ،
ولكنهم قالوا : لا يقتل المرتد إلا إذا دعا للكفر والفسوق والعصيان ، فإذا
كانت ردته لا تتعداه ، فلا يقام عليه حدُّ الردَّةِ ، ولا أصل لهذا التقسيم
، ولكنهم
قالوا ذلك - تحت وطأة الواقع المر والأليم، الذي تمر به الأمة الإسلامية .
الفريق الخامس - أقرُّوا بحدِّ الردَّةِ ،
وقالوا : هو جزء لا يتجزا من الدين ، وهو معلوم من الدين بالضرورة
والبداهة ، فمن أنكره فقد كفر ، وخرج من الدين ، وقالوا : لا بد من إقامة
حدِّ الردة ضمن الضوابط الشرعية المعتبرة ، فالتلاعب به تلاعب بالدين ، وقد
ردوا على الفئات الضالة السابقة بقوة ، وكشفوا للناس زيف دعوتهم وبينوا
بطلانها بأدلة ناصعةٍ ، غير قابلة للرَّدِّ والمماحكة
وهذا هو الحق ، وما بعد الحق إلا الضلال .
لذا أرجو من الله تعالى أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره
وأن يكون كافياً شافيا في هذا الباب .